بالإنفوجراف: سألنا الخبراء: الذكاء الاصطناعي.. يُنقذ الاقتصاد أم يُدمره؟

تحقيق : حبيبة هشام - هاجر حبيشي

يرى الكثير من خبراء الاقتصاد أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحقق تقدماً كبيراً في القطاعات الاقتصادية المختلفة، لكنه في نفس الوقت يحتاج لظروف مناسبة كما يحتاج أيضاً لعمالة مدربة وقادرة على مواكبة المتغيرات الجديدة، وإذا كان المستقبل سيعتمد بصورة كاملة على هذه التكنولوجيا الجديدة فإن الفشل في مواكبة هذا التغير سيؤدي لكوارث اقتصادية خطيرة.. فما هي مجالات تطبيق الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد؟ وهل استطاعت مصر أن تستعد لهذا التحول؟ ولماذا نجحت دولة مثل الهند في تصدر اقتصاد البرمجيات في العالم؟.. الإجابة في سطور التحقيق التالي:

خدمات رقمية

في البداية تقول الدكتورة هدى الملاح، الخبيرة الاقتصادية، ومدير المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية، إن مصر كثفت من مجهوداتها في السنوات الأخيرة، حتى يمكننا الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في المجال الاقتصادي، وذلك من خلال عمل بنية تحتية رقمية تكنولوجية مهيئة للاستثمار الرقمي والتكنولوجيا المتطورة، وعلى رأسها الخدمات المالية وهى ربط الإنترنت بالتليفون المحمول، لكن هناك معوقات تقابل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، وهذه المعوقات نابعة من شبكة الإنترنت وشركات الاتصال وليس من البنية التحتية، ويجب على هذه الشركات أن تحاول أن تحسن من خدماتها، لأن الإنترنت وتكنولوجيا الخدمات المالية والرقمية تتعامل من خلال الإنترنت، وهذا يتطلب إقامة شبكات في جميع المناطق.

وأوضحت الدكتور هدى أن الذكاء الاصطناعي يوفر الوقت والجهد والمال ويضاعف من معدلات الإنتاجية، ومثال موقع amazon فقد أصبح يوفر جميع المستلزامات من خلال الإنترنت، ويتم إجراء عمليات الشراء أو استخراج جواب سفر أو توكيل عقاري وكثير من المميزات من خلال عمل واستخدام حساب خاص بالشخص، وهذا وفر الجهد والمال والوقت من خلال تطبيق يتم استخدامه من المنزل، لكن دور العامل المصري لن يتم إلغاؤه لسبب أن هذا الذكاء الاصطناعي لولا العنصر البشري لظلت جميع الآلات والمعدات والبرمجيات خاملة، لأن من يصنع ويستخدم التلفزيون والكمبيوتر والمحمول والتطبيقات هم البشر، وهذا لن يلغي دور العامل المصرى، بل إنه كلما تتقدم التكنولوجيا، فإنه تكون هناك حاجة لظهور أعمال جديدة ويجد العامل وظائف متعددة ومتطورة، والروبوتات لها استخدامات معينة لكنها لا تقوم ببناء عمار مثلا، فالإنسان لن يتم إلغاء دوره مطلقا مهما تطورت التكنولوجيا.

د. هدى الملاح

العامل المصري

الخبير الاقتصادي المصري

الدكتور رشاد عبده

ويقول الدكتور رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إن الذكاء الاصطناعي في بعض القطاعات سيلغي دور العامل المصري، لكن في بعض القطاعات الأخرى سوف يطور منها، ويضيف الكثير، وليست هناك ثوابت لأن أي تقدم في الدنيا يلغي وظائف ويطور وظائف أخرى، وليست هناك قاعدة ثابتة، والحقيقة أنه يجب أن تكون هناك مؤشرات وضوابط ومعايير وتقييمات محددة لدور الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد، فهل هذا الدور جيد أم سيء، وما المعيار إذا كان جيدا أو سيئا والفرق بين الدول المتقدمة والنامية هي كلمة المعيار.

مرتبة متأخرة

وأضاف رشاد عبده أن منظومة الذكاء الاصطناعي يمكن أن تسهم في تطور الاقتصاد المصري، وقد جاءت مصر في المرتبة 111 على العالم في الذكاء الاصطناعي، وهي مرتبة متأخرة، لكن هذه المرتبة تحسنت مؤخرا للأفضل، وهذه المنظومة تحتاج إلى تطور تكنولوجي وتقدم علمي وغير ذلك, لكن مصر بدأت تدخل هذا المجال بسرعة، وذلك من خلال إنشاء كليات جديدة للذكاء الاصطناعي، بحيث تساعدنا على تخريج مبرمجين وخبراء ذكاء اصطناعي وأصحاب قدرات خاصة في هذا المجال. والاقصاد المصري مؤهل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي ولكي يتم توظيف برامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي يجب أن نبتعد عن جمل “أنا لا أقدر ولا أستطيع” فهذه التكنولوجيا جديدة، مثلاً انظروا إلى الهند اليوم وهي التي تقود حركة الكمبيوتر وثورة المعرفة في مواجهة أمريكا والصين، وهناك نماذج مدهشة في هذا المجال، ففي يوم ما جاء شخص مؤمن بفكرة الألعاب الإلكترونية التي يريد تحقيقها وتقدم إلى الحكومة الأمريكية بخطة ودراسة جدوى لتنفيذ فكرته، فأعطوه الإمكانيات لفتح معهد، ونجحت التجربة وتخرج من المعهد شباب عباقرة، واليوم تبيع أمريكا ألعاب إلكترونية ب 60 مليار دولار سنويا.

العنصر البشري

ويرى الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي، ورئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، أن منظومة الذكاء الاصطناعي تسهم في تطور الاقتصاد، وتؤدي لحل مشكلات كبيرة في تقليل تدخل العنصر البشري في اتخاذ الإجراءات اللازمة والمسماة بالإجراءات المكتبية، والعنصر البشري يتسبب عادة في استهلاك مزيد من الوقت بينما الذكاء الاصطناعي يعجل ويختصر الوقت ويقلل التكلفة، كما أنه يقلل من أخطاء العنصر البشري، وبالتالي تقل احتمالات الفساد، ويودي ذلك إلى اختصار الوقت ومزيد من الإنجاز وتحفيز النشاط الاقتصادي ومعدلات النمو.

وأضاف الفقي أن هناك مجالات عديدة يمكن أن يساهم فيها الذكاء الاصطناعي مثل مجالات توطين الصناعة وتعميقها، فالذكاء الاصطناعي مهم جدا في هذه الحالة، وأيضا في مجال التعليم وتحسين البيئة التعليمية، وبالتالي يؤدي إلى حل الكثير من المعضلات العلمية، كما أنه يزيد من قدرة الطلاب في المراحل التعليمية على المزيد من التحصيل، فضلا عن دوره المهم في مجال الرعاية الصحية، وذلك من خلال إيجاد واكتشاف علاجات جديدة للأمراض، ويسهم الذكاء الاصطناعي في اكتشافات الثروات المعدنية والطبيعية، كما يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يصل إلى أعماق القشرة الأرضيه لكي يقوم بمعرفه ما يوجد بها من الموارد الطبيعية والمعدنية في أراضي الدولة المصرية، ومن جانب آخر فإنه يساهم في العديد في عمليات السياحة، ويساهم في أنشطة وتطبيقات عديدة وزياده القيمة المصافة للموارد والمادة الخام والاستفادة منها ويساعد على اكتشاف الموارد التي تزخر بها البحار والمياه العميقة خاصة الموارد المتعلقة بالطاقه بكل أنواعها.

الأكثر ذكاءَ

فخرى الفقى

ويشير الفقي إلى ما يعرف بـ “الاقتصاد الأكثر ذكاءً” وهو الاقتصاد الذي يعتمد على التحول الرقمي والبنية التحتية التكنولوجية، وقد بدأت مصر تلتفت لخطورة هذا المجال، وكانت البداية من التعليم، حيث خصصت جامعاتنا العديد من كليات الذكاء الاصطناعي فضلا عن إرسال الشباب المصري في بعثات للخارج لتحصيل المزيد من المعرفة في هذا المجال، وطبعا بدأت الحكومة منذ سنوات ترفع شعار الحكومة الذكية من خلال التحصيل الإلكتروني والميكنة بحيث يمنع التهرب الضريبي ويوجد استثمارات كثيرة في هذا المجال، فالجهود مستمرة ومتواصلة نحو اقتصاد مصري أكثر ذكاء بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي.  

ويرى الفقي أن الذكاء الاصطناعي سيوفر وظائف كثيرة ولن يلغي دور الإنسان، وإنما سيولد وظائف أكثر، بشرط أن يكون هناك إعداد جيد بالمهارات الخاصة بالوظائف التي ستعتمد على الذكاء الاصطناعي.

تجربة الهند

وأوضح  الدكتور مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، أن الفرق الرئيسي بين مصر والهند يكمن في جودة التعليم، وليس في كل مقومات التنمية البشرية بشكل عام، وأيضا الهند تعاني من نقص التنمية البشرية في قطاع كبير من الشعب لكنهم ناجحون في رفع مستوى التعليم والقدرة علي النفاذ للأسواق الخارجية والجامعات المتقدمة، وإعطاء الكثير من المنح للطلاب، وهذا ما صنع الفارق بالنسبة للاقتصاد الهندي الذي يتميز الآن بالاعتماد على البرمجيات والذكاء الاصطناعي، وذلك بفضل جودة البنية الأساسية التكنولوجية التي أصبحت أكثر تقدما عن مصر، لكن بشكل عام هناك تفاوت كبير بين الدول فيما يتعلق بتوظيف الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد.

ويرى نافع أن معوقات تطبيق الذكاء الاصطناعي  في الاقتصاد هي نفسها معوقات تطبيقه في أي مجال آخر، لأنه مازال في البداية وصعوبات دخوله للأسواق مازالت كبيرة نتيجة عدم وجود مجالات واسعة في دول الجنوب بشكل عام، فضلا عن أن تطور الذكاء الاصطناعي يستلزم إنفاق كبير علي البحوث والتطوير، ولكن للأسف مخصصاتها في الدول النامية ليست كبيرة، أضف إلى ذلك أيضا أن هناك معوقات متصلة بالرجوع إلى النظام البيروقراطي لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي أحيانا تشترط أن يتم التغلب علي البيروقراطية وأن ننظم اللوائح الداخلية والتنظيمية للمؤسسات بشكل مختلف.

تأهيل وتدريب

وأوضح نافع أنه إذا تم تطوير منظومة الذكاء الاصطناعي في مصر، فإنه يمكن أن يسهم ذلك في تطوير الاقتصاد، لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي توفر الوقت والمال، وتحقق عائداً اقتصاديا كبيرا، لكن مخاطر الانتشار الكبير للتكنولوجيا بصفة عامة ليس للذكاء الاصطناعي فقط وكل تطور تكنولوجي تتمثل في الحروب الإلكترونية والأمن الإلكتروني أو إمكانية تعرض الاقتصاد بالكامل لأي هجمات من الهاكرز وهجمات إلكترونية من دول أخرى ومن هاكرز ينتمون إلى تنظيمات وتشكيلات من شأنها أن تحقق الكثير من درجات عدم الأمان بالنسبة للاقتصاد أو أي قطاع آخر يتم التوسع في استخدام هذه التطبيقات به، وتشهد بعض القطاعات الاقتصادية استخداما موسعا للذكاء الاصطناعي مثل قطاع التمويل وتحويل الأموال والعملات الرقمية، والاقتصاد المصري مثل أي اقتصاد في العالم  مؤهل لأي تطبيق ولكن الموانع كثيرة أهمها نقص الموارد المالية المطلوبة، ونقص الكفاءات البشرية المؤهلة للتعامل مع هذا النوع من الذكاء الاصطناعي في مختلف قطاعات الاقتصاد، ويستلزم ذلك أيضا أن يتكامل مع دور العامل المصري وعدم إلغائه، ولكن إذا كان العامل غير مؤهل للتعامل مع الذكاء الاصطناعي أو متغيراته، فإن هذه التكنولوجيا يمكنها أن تهدد الكثير من الوظائف.