الواقع المختلط يحدث ثورة في العالم التكنولوجي تقرير : رنا اشرف سرعان ما أصبح الواقع المختلط ، وهو مزيج من الواقع الافتراضي والواقع المعزز ، أحد أكثر التطورات إثارة في…
الذكاء الاصطناعي يغزو صناعة السينما.. عودة ممثلين أموات وتغيير نهايات الأفلام!
تحقيق: حبيبة هشام - سمر علي - شريف عماد
تفرض برمجيات الذكاء الاصطناعي نفسها بقوة على صناعة السينما محلياً ودولياً, ومع تحرك عجلة التكنولوجيا المتقدمة التى تمضى بسرعة شديدة فى إحداث تغير جذرى في صناعة الفنون المختلفة, فقد تم ابتكار بعض التطبيقات الإلكترونية التى تتيح إمكانيات هائلة في عالم الإنتاج السينمائي والدرامي، فقد أصبح في الإمكان إعادة ممثلين راحلين عن الحياة للقيام ببعض الأدوار التمثيلية عن طريق خلق نماذج افتراضية لهم، كما أصبح في الإمكان أيضاً الانتقال بعمر الممثل من مرحلة الشباب إلى الشيخوخة والعكس خلال سياق الأحداث.. في السطور التالية قررنا أن ننقلك إلى هذا الواقع الجديد، فكان هذا التحقيق..
إبداع بشري
في البداية، يقول الدكتور محمد خليف، استشاري التحول الرقمي، وعضو لجنة الثقافة الرقمية والبنية المعلوماتية بالمجلس الأعلى للثقافة، إن الذكاء الاصطناعي يعني مجموعة من الأدوات التي تؤدي الأعمال الروتينية الأساسية التي يفعلها الإنسان، وبالتالي الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للإبداع البشري، وإنما مازال عنصراً مساعداً للبشر، ويمكن الحكم على كل نشاط من الأنشطة التي يتداخل فيها الذكاء الاصطناعي من خلال هذا المنطلق، كالإخراج أو كتابة النصوص السينمائية، فقد أتاح تطبيق ChatGpt الفرصة لكتابة السيناريو والحوار السينمائي ومساعدة المؤلفين على الصياغة، لكن لا يعني ذلك أنه يمكن أن يكتب نصاً سينمائياً كاملاً، وإنما يساعد الكاتب على إنجاز عمله، ونفس الشيء ينطبق على الإعداد التلفزيوني للبرامج، فهو لا يقوم بالإعداد الكامل ولا يستطيع تحديد أبرز الموضوعات أو القضايا المطروحة على الساحة أو الأحداث الجارية، وإنما يساعد الشخص القائم بالإعداد من خلال إمداده بالمعلومات المطلوبة.
ويضيف خليف أن الأدوات أو الخوارزميات المدعومة بالذكاء الاصطناعي ستؤثر بشكل كبير على الإنتاج الفني، من حيث زيادة إنتاجية فرق العمل والحد من التكاليف، وتقليل أعداد العاملين في العملية الإنتاجية، وفيما يخص العملية الإبداعية، فإن هذه الأدوات سيكون لها دور كبير في زيادة مساحات ومعدلات الإبهار من خلال زيادة الخلفيات وتصميم الصور والمشاهد بصورة مختلفة، وإظهار الممثلين أو الفنانين أيضا بصور وبطرق مختلفة، مثل إعادة ممثلين راحلين للمشاركة ببعض الأدوار من خلال ابتكار نماذج لهم من الواقع الافتراضي، فمن الممكن أن نبتكر نموذج للفنان الراحل إسماعيل ياسين مثلا ليقوم بتجسيد أحد الأدوار ويظهر للمشاهدين بصورة شبه واقعية.
أخر الأخبار
تصنيفات
أدوات ومدخلات
ويشير خليف إلى أن أدوات الذكاء الاصطناعي تتطور بصورة ضخمة جدا، فالذكاء الاصطناعي بكل بساطة يعتمد على المدخلات، وكلما كانت البيانات ضخمة والمدخلات كبيرة، زادت قدرة الذكاء الاصطناعي في إنتاج أعمال فنية تفوق التصور، فمثلاً فكرة إنتاج أفلام لممثلين راحلين تعتمد بصورة كبيرة على إدخال بيانات ضخمة وأدوار وأعمال سابقة حول هؤلاء الممثلين إلى هذا النوع من التطبيقات، ومن خلال تدريب محرك الذكاء الاصطناعي فإنه يمكن أن يقوم بعمل محاكاة لهذه الشخصيات، وبالتالي يمكن ابتكار أعمال رقمية كاملة من أفلام ومسلسلات لهؤلاء الممثلين الراحلين، ويتم ذلك من خلال العنصر البشري الذي يغذي هذه التطبيقات بكل هذا الكم من المعلومات، وبالتالي فإن طريقة الأداء في النهاية تعتمد على كم كبير من البيانات التي سوف يدخلها صانعو الأفلام إلى محركات الذكاء الاصطناعي، فإذا كانت البيانات المدخلة تحتوي على كافة السيناريوهات وما يكفي من البيانات المطلوبة لهذا النوع من المحاكاة، وكل ما يتعلق بإنتاج مستوى فيلم جديد لفنان دأب على تمثيل الأفلام الرومانسية، فإن محرك الذكاء الاصطناعي سيقدم لنا فيلماً شبه واقعي لهذا الفنان، وقد يؤثر الذكاء الاصطناعي على التراث السينمائي، ولكن التأثير لن يكون سلبيا بشكل كبير، وإنما من الممكن أن يزيد من تداول الأشخاص والأجيال الجديدة للأفلام القديمة بصورة مواكبة للعصر، ولكن هناك إشكالية متعلقة بقضية حماية الملكية الفكرية للتراث القديم، وهذا أمر يحتاج للدراسة الجديدة في ضوء القوانين واللوائح ذات الصلة.
العنصر البشري
ويقول محمد سراج، خبير التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، إن العنصر البشري هو الذي يحرك الذكاء الاصطناعي وليس العكس، وهذا ما يحدث في الإنتاج الفني، وفي هذا الحالة يجب أن يكون الشخص الذي يتعامل مع الذكاء الاصطناعي لديه المعلومات والخبرة الكافية للتعامل مع هذه التقنيات الحديثة، فكاتب السيناريو إذا أراد أن يستعين بمحرك الذكاء الاصطناعي يجب أن يقدم معلومات وبيانات جيدة للمحرك حتى يحصل على المستوى المطلوب، وفي المقابل فإن الذكاء الاصطناعي سيكون له دور في تضخيم معدلات الإنتاج الفني في السينما والدراما في المستقبل، حيث إنه يمكن للممثل أن يقوم بإنتاج ١٠ أفلام بصوته وصورته في وقت واحد دون أن يبذل أي مجهود، نفس الكلام بالنسبة للفنانين الراحلين لكن ذلك يتعارض أخلاقياً مع حقوق الملكية لدى أسرة هؤلاء الفنانين الراحلين، ولهذا يجب الحصول على قرار بموافقة الورثة الشرعيين.
تغيير المشاهد
ويضيف سراج أن محركات الذكاء الاصطناعي أتاحت تغيير بعض اللقطات والمشاهد أو حتى السيناريو من أحداث الأفلام القديمة، بل وإعادة إنتاج فيلم جديد من رحم فيلم قديم وهذا متواجد حالياً، بل إن التطبيقات أتاحت للمستخدم إعادة تكوين مشاهد الأفلام التي يشاهدها لكي تحدث في المكان الذي يريده, لتتلاشى فكرة مشاهدة الفيلم الواحد في أي مكان في العالم بنفس الأحداث والمشاهد. ونقلا عن أحد المواقع المتخصصة في موضوعات التكنولوجيا, فإن المستخدم يمكنه إلتقاط صور بانورامية لمنزله أو للأماكن المحيطة به مثلا باستخدام هاتفه الذكي, ثم يستخدم التطبيق الجديد لتحويل الصور العادية إلى صور ثلاثية الأبعاد, ليتم دمجها في أحداث الفيلم, وهو ما يعني أن المستخدم سيشاهد الفيلم بطريقة مختلفة تماماً عن الفيلم الأصلي. ومنذ عامين تقريبا تعاونت شركة “فوكس سينما” مع شركة الترفيه والتكنولوجيا “كينو إندستريز” لتقديم أول تجربة فيلم تفاعلي “CTRL” فى العالم، واستهدفت تلك التجربة إتاحة الفرصة لرواد السينما لتحديد مصير الشخصية الرئيسية ومسار الفيلم باستخدام نظام تصويت بسيط على أحد التطبيقات يتم تحميله عبر “آبل” أو “آندرويد”. ومع تطور أحداث الفيلم, تظهر إجابات متعددة على شاشة السينما وهاتف كل مشاهد في وقت واحد, ليصبح أمامهم ثلاث ثوان لاتخاذ القرار بالتصويت على هواتفهم, وأخيرا يتم تحديد السيناريو الذي حصل على أعلى الأصوات، كما طبقت التجربة أيضا شركة “نتفليكس”, إذ قدمت الشركة الأمريكية طريقة جديدة تماما لمشاهدة المحتوى, أطلقت عليها اسم “التلفزيون التفاعلي” لتغيير طريقة مشاهدة التلفزيون من خلال عرض فيلم يحدد المشاهد مسار أحداثه، كما يضع نهاية الفيلم بنفسه بعدد من النقرات على اختيارات تظهر أثناء المشاهدة, وقالت شركة نيتفلكس إن الطريقة التفاعلية للفيلم تعمل على جميع أجهزة التلفاز الحديثة التى تملك تطبيق “نيتفلكس”، وكذلك على أغلب أجهزة الكمبيوتر وأجهزة الألعاب مثل “البلاى ستيشن”، وهناك تطبيق آخر أطلقته شركة صينية تحت اسم “زاو” والذى يمكن المشاهد من منافسة نجوم الأفلام العالمية ليحل محل بطل العمل, ويقوم التطبيق على تغيير الفيديوهات مما يسمح للمستخدم بأن يصور نفسه فى صورة أى من الشخصيات والنجوم فى مقاطع من الأفلام السينمائية.
ومن ضمن التطبيقات التي لفتت الأنظار مؤخرا، التطبيق المتعلق بتصغير عمر الممثل، وهو ما شاهدناه في مسلسل جعفر العمدة، وهي تقنية حديثة اسمها de-aging لإزالة الشيخوخة، ذات تأثير ثلاثي الأبعاد، وتُستخدم لجعل الممثل يبدو أصغر سنًا، وللقيام بذلك، عادةً ما تقوم استوديوهات ما بعد الإنتاج بتحرير صورة رقمية أو تطبيق الصور التي تم إنشاؤها بواسطة الكمبيوتر (CGI) على المشاهد الضرورية. ويتم تصوير الممثلين بعلامات صغيرة متصلة بوجوههم لمزامنة حركات الموضوع ثلاثي الأبعاد مع حركات رأس الممثل.
جوانب إيجابية
ورغم الإمكانيات الضخمة التي أتاحتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي فيما يتعلق بالإنتاج الفني، إلا أن نقاد السينما والدراما لهم آراء مختلفة، حيث يرى الناقد الفنى د. وليد سيف، أن ما تحدثه تلك التطبيقات الإلكترونية من تغيير فى أصل العمل الفنى ليس له علاقة بالأفلام أو بالصناعة نفسها, فهى مجرد ألعاب للترفيه وتسلية رواد العالم الافتراضى, ويقول: الفكرة ليست مستحدثة فقبل 10 سنوات كان للمخرج سمير سيف تجربة فى هذا المجال، ولكن المشروع لم يكتمل لظروف معينة, فهى تطبيقات متاحة منذ سنوات عديدة، ويتم التفاعل معها بغرض التسلية فى محاولة لصنع فيلم من وجهة نظر كل مشاهد, وفى النهاية سيظل الفيلم قائما بذاته لن يتأثر بتغييرات فردية حتى ولو أتيحت فى دور العرض السينمائى, بالعكس فأنا أنظر للمسألة من جانبها الإيجابى, فقد تتيح فرص للمواهب المغمورة من هواة الأفلام لإثبات موهبتهم فى حالة ابتكارهم لأفكار جديدة قد تكون أفضل من الأصل ذاته, لذلك أعتبرها بمثابة تدريب لكتاب السيناريو وتدريب لطرح أفكار إخراجية خارجة عن المألوف.
ويضيف سيف: فى مهنتنا عندما نقوم بتعليم أصول كتابة السيناريو للمتدربين، فإننا نعلمهم كيفية إيجاد «فينال» جديد مختلف عن الأصل, وكيف يمكن استحداث وزراعة شخصيات إضافية, وأعتقد أن التطبيقات الجديدة ستنقل فكرة المزج بين شخصيات الأفلام والأماكن الخاصة بالمستخدم إلى مستوى جديد من المشاهدة, على سبيل المثال فيما يخص أفلام الرعب, سيكون في مقدور المستخدم مشاهدة أبطال الفيلم الذي يحبه، وهم يتحركون داخل منزله وبين غرفه, وهو ما يجعل الفيلم أكثر رعبا, فمن المؤكد أن العصر الرقمي بات يغذي شغفنا العالمي بالأفلام, فلقد أحدث الإنتقال التكنولوجى أثرا هائلا على قطاع الصناعة السينمائية, إذ أدى إلى تحسين النوعية ومكن في الوقت ذاته من خفض تكاليف الإنتاج، وتقليص الوقت، وتذليل العقبات التي تحول دون دخول الهواة وصانعي الأفلام من ذوي الميزانيات المحدودة إلى عالم الإنتاج.
وتابع سيف: كما أتاحت التكنولوجيا الرقمية فرصاً عظيمة لإخال المؤثرات الخاصة, مما زاد من نمو أفلام الخيال العلمي والفنتازيا, وبفضل التكنولوجيا الرقمية أصبح أمام صانعي الأفلام الآن الأدوات التي تمكنهم من رسم عالم الخيال الذي تستكشفه شخصياتهم.
الناقدة ماجد موريس
حقوق الملكية
وعن مدى تعارض ذلك مع حقوق الملكية الفكرية، يقول: هذه مسألة تعود للصناع أنفسهم وكل فرد حر فى ذاته وقراره, ولكن المسألة بحاجة إلى تقنين وسن قوانين محددة لحفظ الحقوق فليس أسهل من توجيه الاتهامات بإفساد الأعمال وانحرافها عن مضمونها الأساسى أو استخدامها بشكل خاطئ, وبحكم كونها تطبيقات تخضع للمزاج الشخصى لذا وجب وجود قانون يحكمها. وبشكل عام ستحتفظ الأفلام بطبيعتها ورونقها وستظل تُعرض على الشاشات, شأنها شأن الراديو الذي لن يختفي من حياتنا, لكن صناعة الأفلام ستشهد تطورا لا محالة حيث ستعرض الأفلام تجارب مجسدة, تتيح للمتلقى التجول في جنباتها, والتفاعل معها في بيئة ثلاثية الأبعاد, والسينما مستقبلا لن تكون فنا بصريا فقط بل ستتحول إلى فن تفاعلى, وهذا هو الفرق بين سرد القصة, وبين معايشة تفاصيلها وتقديم تجارب خاصة مصممة وفقا لاختيارات كل مشاهد.
وتختلف معه فى الرأى الناقدة الفنية ماجدة موريس, التى رفضت وبشدة فكرة التلاعب فى أصول الأعمال الفنية وتغييرها عن طريق التطبيقات الإلكترونية المختلفة, وتقول: هى أفكار ضد الفن ومفهومه وصناعته حتى وإن كان ذلك بغرض مواكبة لغة العصر, فعند مشاهدة عمل فنى أشاهد خيال كاتب ورؤية مخرج اجتهد من أجل تطويع أفكار وقضايا معينة وترجمتها بلغة السينما والفن, وقضوا شهورا طويلة من الإعداد والتصوير للخروج بمنتج فنى يليق بالمشاهد ويحترم عقليته, ليأتى أبليكيشن وبضغطة زر يدمر كل هذا المجهود, فيجب تقدير ذلك وعدم انتهاك الملكية الفكرية, فمن الثوابت أن الكتابة والنص من حق المؤلف والرؤية الإخراجية من حق المخرج وحق الشركة المنتجة, وأنا أفهم أن المشاهد من المحتمل ألا يعجب بنهاية عمل ما فيفكر مجرد تفكير بتغييره فى نطاق مخيلته الخاصة دون التنفيذ والنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالرغم من تطبيق الفكرة فى سينمات بعض البلدان العربية إلا أنها لن تستمر طويلاً من وجهة نظرى، ولن تلقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً.