الواقع المختلط يحدث ثورة في العالم التكنولوجي تقرير : رنا اشرف سرعان ما أصبح الواقع المختلط ، وهو مزيج من الواقع الافتراضي والواقع المعزز ، أحد أكثر التطورات إثارة في…
مكافحة جرائم الذكاء الاصطناعي تبدأ من الوعي وتنتهي بالقانون
تحقيق: سلمى ممدوح
بالرغم من المزايا العديدة التي أتاحتها أدوات وتطبيقات وخوارزميات الذكاء الاصطناعي، إلا أنها على الجانب الآخر أعطت المزيد من الفرص للهاكرز والمحتالين والنصابين لارتكاب المزيد من الجرائم الإلكترونية، حيث يؤكد الخبراء أن جرائم الابتزاز واختراق الحسابات وتزييف الفيديوهات وفبركة الصور وانتهاك خصوصيات الآخرين أصبحت أسهل مما مضى بسبب التطبيقات الذكية الجديدة، ورغم أن الذكاء الاصطناعي كان الهدف منه خدمة البشر وتسهيل أمور حياتهم اليومية، إلا أن الكارثة تتمثل في إساءة الاستخدام.. فما هي إذن أخطر الجرائم التي يتم ارتكابها من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي؟ وما هي العقوبات التي تنتظر مرتكبي هذه الجرائم؟ وهل القوانين الموجودة بالفعل كافية لردع هؤلاء المجرمين؟ .. تابعونا في سطور التحقيق التالي:
إساءة الاستخدام
في البداية يقول المهندس أحمد طارق، خبير أمن المعلومات، إن إيجابيات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا أكبر بكثير جدا من الجرائم الإلكترونية، أو سوء استخدام البعض لهذه التقنيات، والحقيقة أن الذكاء الاصطناعي لا يفرض شروطا على مستخدميه، ولا يستطيع أن يمنع أحدا من إساءة استخدامه، فكل الأدوات والتطبيقات مفيدة، حتى أدوات الصوت والتي تتيح إمكانية تركيب صوت مكان صوت لكن المشكلة هنا تتعلق بالمستخدم النهائي أو “الإند يوزر” فقد يستخدم هذه التقنية في تزييف الأصوات، وأنا على سبيل المثال عندي منصة خاصة على الميتافيرس، وعندما أكون نائما فإن صوتي يكون موجودا ونشطا طوال 24 ساعة على مدار اليوم في الميتافيرس، حيث إن هناك مذيع افتراضي موجود مكاني، وبالتالي استطعت أن أستفيد من هذه التقنية بشكل إيجابي، بل إنها تدر عليّ دخلا ماديا أيضا، نفس الكلام ينطبق على كافة التطبيقات والبرامج والمنصات والشبكات والسوشيال ميديا.
وحول أشهر الجرائم التي يتم ارتكابها من خلال الذكاء الاصطناعي، يواصل أحمد طارق حديثه قائلا: التزييف هو أخطر الجرائم، وكلنا رأينا مقطع الفيديو المزيف للملك تشارلز وهو يرقص في حفلة وحوله مجموعة من الفتيات على شاطيء البحر، فالفيديوهات المفبركة التي يتم إنشاؤها من خلال موقع “ديل آي” والصور الفيك التي يتم تركيبها من خلال موقع “ميدجورني” كلها تعتبر من أخطر الجرائم الإلكترونية، والحقيقة أننا لا يجب أن نصدق كل الفيديوهات الغريبة أو الشاذة التي نراها، وإنما يجب أن نعود للمصدر الرئيسي الخاص بهذه الفيديوهات أو الصور، أيضا يجب أن تكون هناك توعية بخطورة هذه الأدوات وأهمية الاستخدام الإيجابي لها، وهنا يأتي دور الدولة بأن تقوم بإنشاء وزارة خاصة بالذكاء الاصطناعي لتنظيم استخدامات هذه التطبيقات الذكية، ومنع استخدامها في الجرائم، خاصة وإن الهاكرز أصبحوا يلجأون لهذه الأدوات غير المألوفة عن طريق مفهوم اسمه “الهندسة الاجتماعية” والذي يعني خداع الهوية البصرية للإنسان، ومع الأسف يقوم الهاكرز باستخدام إمكانيات الذكاء الاصطناعي فمثلا يكتب كودا برمجيا على شات جي بي تي وأقول له اعمل لي صفحة أو موقع تسويق إلكتروني، ومن خلال هذا الموقع يستطيع الهاركز أن يتتبع من يتعامل معه وبالتالي ينفذ بعض جرائم الاختراق التي يسعى إليها.
مهندس أحمد طارق
د. عادل عامر
زيادة المعدلات
ويؤكد طارق أن بعض الناس رأوا أن شات جي بي تي قد يساهم في زيادة الجريمة الإلكترونية، لكنني أرى أنه لا يوجد قلق من الشركات الكبيرة التي تقود الذكاء الاصطناعي مثل شركة جوجل التي تمتلك أكبر محرك بحث في العالم، كما أنها أنتجت تطبيق “جوجل بارد” والذي يضم أكبر مركز بيانات في العالم، وهناك مسار معين ومباديء تحكم عمل هذه التطبيقات التي تتبع الشركات الكبرى، فلو طلبت منه مثلا أن يوضح لي كيف أصنع “مادة متفجرة” فإنه سيرفض التعامل معي، لكن المشكلة هنا مع الشركات الصغيرة التي تنتج تطبيقات وروبوتات مجهولة المصدر، وهنا يأتي دور الأجهزة المعنية في حجب هذه التطبيقات، أما شات جي بي تي فمن الممكن ان يتم استخدامه في الخير وممكن أيضا يتم استخدامه في الشر، وأذكر على سبيل المثال شركة مايكروسوفت عام 2017 عملت بوت أو روبوت ذكاء اصطناعي يتفاعل مع الآخرين، لكن المستخدمين بدأوا يتكلموا معه في أفكار لها علاقة بالعنصرية، فحدث تحول للروبوت لدرجة أنه كان يشتم ويرد على المستخدمين بأسلوب غير لائق، وهو ما دفع الشركة لوقف التطبيق خلال 24 ساعة فقط من نزوله وذلك لأن الروبوت خرج عن مساره، والسبب أنه بدأ يتعلم من الناس صفات سلبية وبدأ يفكر بطريقتهم لأنه كان ذكاء اصطناعي توليدي، وبالتالي فإن الوعي هنا مهم جدا، خاصة وإنه أصبح هناك استغلال لنقطة ضعف الناس ورغبتهم في جني الأموال، وبالتالي ممكن أقول لهم تعالوا أعمل لكم حساب ونزلوه على موبايلاتهم والناس يبدأوا يتعاملوا مع هذا الحساب بعد أن قاموا بتحميله من متجر مجهول المصدر، وبالتالي تصبح كل بياناتهم عرضة للاختراق.
ويشير طارق إلى أن الذكاء الاصطناعي يتداخل الآن مع أغلب البرامج، مثل برنامج الفوتوشوب الذي هو من إنتاج شركة “أدوبي” فقد أصبح يستخدم تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وخصوصا في آخر إصداراته، ونفس الكلام بالنسبة لبرامج الفيديوهات والمونتاج حيث أتاحت أدوات الذكاء الاصطناعي إمكانيات هائلة جدا في هذا الشأن، لكن المشكلة تكمن في سوء الاستخدام، حيث أتاحت هذه الأدوات إمكانية تصميم وتركيب أي صورة أو فيديو وإنتاج محتوى مزيف أو كاذب.
أدوات الهاكرز
ومن جانبه، يقول د. ياسر عبدالمنعم، خبير أمن المعلومات، إن الجريمة الإلكترونية شهدت تطورات خطيرة في الآونة الأخيرة بسبب سوء استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح في مقدور المجرمين ارتكاب أي جريمة بداية من انتحال شخصية الغير والاستحواذ على حساباتهم واختراق بياناتهم المصرفية، وشهدت الأشهر الأخيرة استخدام الهاكرز بالفعل لشات جي بي تي في تنفيذ بعض الجرائم، حيث إنهم يستطيعون توظيف هذه التطبيقات في الحصول على معلومات أكثر تساعدهم في الأنشطة الإجرامية، وبالتالي أتوقع أن ترتفع وتيرة هذه الجرائم، وخاصة جرائم التجسس والتتبع والاختراق والابتزاز الإلكتروني، حيث أصبحت هناك طرق عديدة يستطيع الهاكرز من خلالها معرفة اهتماماتك وتفضيلاتك وهواياتك، وبالتالي يستطيعون من خلال ذلك التلصص وتنفيذ عمليات احتيالية.
ويذكر عبدالمنعم أن تطبيقات الدردشة الذكية من الممكن أن تمثل خطرا على حياة الإنسان وأفكاره وقد تقنعه بارتكاب جرائم معينة، فقد أقدم مواطن بلجيكي بعد محادثة مع شات بوت على الانتحار، طبعا هذا التأثير المباشر يمكن أن يكون ملحوظا ومتكررا في الدول الأوروبية والمتقدمة، لكن عندنا المسائل تبدو مختلفة بعض الشيء، فالمواطنون في هذه الدول حياتهم مرفهة للغاية وليس لديهم وازع ديني وأحيانا يشعرون أن حياتهم ليس لها معنى، وقد يشعرون سريعا بالملل، وبالتالي من السهل أن يتأثروا بالمحادثات السلبية التي قد تؤدي للاكتئاب أو الإحباط.
ويضيف عبد المنعم أن الهاكرز لديهم أدوات خاصة جدا، يتعاملون معها بأقنعة وبأسماء مزيفة جدا، فضلا عن استخدامهم لما يسمى بالدارك ويب، وبالتالي فإنهم قادرون على تنفيذ أي جرائم، وهنا سنجد أنفسنا في حاجة للتوعية بطرق التعامل مع كافة الأدوات التكنولوجية حتى نحمي أنفسنا من مخاطر السقوط في فخ الجرائم الإلكترونية.
التشريع الجنائي
في البداية يقول الدكتور عادل عامر، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق جامعة طنطا، ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكم الدولي، يستغل النصابون والمحتالون حالياً تقنيات الذكاء الاصطناعي في ارتكاب مجموعة من الجرائم الإلكترونية، حيث يقوم هؤلاء المحتالون في بعض الأحيان، بأنشطة تسمى “التصيد الاحتيالي” سواء كانت هذه الأنشطة تتم من خلالهم أو عبر الهاكرز أو المخترقين، وقد أدى استغلال المعلومات الكاملة لشخص ما على سبيل المثال، عن طريق إجراء عمليات شراء باستخدام معلومات الشخص الشخصية، إلى تدمير سمعته المالية (درجات الائتمان الخاصة به) وقد تغير درجة الائتمان السيئة حياتك، وتؤثر عليها، فهي تؤثر سلباً على فرصك في الحصول على قرض ما كالقرض العقاري، أو حتى فتح حساب مصرفي جديد، فضلا عن قائمة طويلة من الجرائم التي ترتكب باستخدام خصائص الذكاء الاصطناعي والتي من بينها على سبيل المثال الابتزاز والتزييف وتلفيق وتركيب الصور والفيديوهات للإضرار بسمعة الأشخاص وغير ذلك، وقد دفعت آثار التحول الرقمي وإرهاصاته الأولية التشريع الجنائي للتعديل في النصوص القانونية لتتواكب معطياته مع هذه الجرائم، حيث تهتم السياسة الجنائية بالإجراءات الضامنة لمنع الجريمة والوقاية منها, علاوة على تحديد صور الجزاء الجنائي الذى يحقق أغراضه على نحو أكثر فعالية, ويشمل تحديد مفهوم السياسة الجنائية على هذا النحو الأشخاص المخاطبين بقواعدها كالقاضي والمشرع والإدارة العقابية ومؤسسات المجتمع. فقد أدت النظم الإلكترونية وتطبيقاتها الي تطور الجريمة الإلكترونية وأدواتها الإجرامية مما تطلب أن يطور المشرع الجنائي أيضا من أدواته التشريعية لمواجهة هذه الظاهرة حتى لا يفلت من ارتكب مثل هذه الجرائم المرتبطة بالضرر المستمر لأفراد المجتمع.
الحبس والغرامة
ويضيف عامر: يعتبر القانون رقم ١٧٥ لسنة ٢٠١٨ في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات هو القانون المنوط به مواجهة الجريمة الإلكترونية بكافة أنواعها، بالإضافة إلى قانون تنظيم الاتصالات الصادر بالقانون رقم ١٠ لسنه ٢٠٠٣، حيث تعتبر الأدلة المستمدة أو المستخرجة من الأجهزة أو المعدات أو الوسائط الإلكترونية، أو النظام المعلوماتي أو من برامج الحاسب، أو من أي وسيلة لتقنية المعلومات ذات قيمة وحجية في مجال الأدلة الجنائية المادية للإثبات الجنائي متى توافرت بها الشروط الفنية الواردة باللائحة التنفيذية لهذا القانون. فعلى سبيل المثال فيما يخص جرائم الاختراق يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وغرامة لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، في الوصول بدون وجه حق إلى أرقام أو بيانات أو بطاقات البنوك والخدمات أو غيرها من أدوات الدفع الإلكترونية، فإن قصد من ذلك استخدامها في الحصول على أموال الغير أو ما تتيحه من خدمات، فإنه يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، والغرامة التي لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتي ألف، أو إحدى هاتين العقوبتين، إذا توصل من ذلك إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على تلك الخدمات أو مال الغير. أما إذا وقعت أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، أو الإضرار بالأمن القومي للبلاد أو بمركزها الاقتصادي أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة لأعمالها، أو تعطيل أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح أو الإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي تكون العقوبة السجن المشدد.
تعديل النصوص
ويذكر عامر أن الانتشار السريع للمعلومات عبر وسائل الاتصال المختلفة أدى إلى تدفق المعلومات والأخبار والمعارف وتبادل المحادثات بحرية وسلاسة، وعلى جانب آخر فقد خلف هذا التطور التكنولوجي العديد من المخاطر والأضرار لا سيما في ظل ضعف الرقابة عليها مما أدى إلى ظهور نوع جديد من الجرائم المتطورة، والتي تختلف عن سابقتها من حيث طريقة وأسلوب ارتكابها، وشكل وصفات المجرم وطباعة سميت بجرائم “التقنية المعلوماتية”. وإزاء ذلك سعت العديد من الدول إلى تطوير نظمها التشريعية بإدخال نصوص وتشريعات عقابية وإجرائية تتوافق مع ظاهرة الإجرام التقني الحديثة، ومن هذه التشريعات ما كان موفقاً ومنها ما أصابه بعض الخلل والقصور، فالجرائم الإلكترونية مثلها مثل الجرائم التقليدية تقع على الأشخاص وتقع على الأموال، إلا أن الاختلاف يظهر من جانبين، الأول في أداة الجريمة، فالأداة في الجرائم الإلكترونية تكون ذات تقنيـة عالية فائقـة الأداء، أما الاختلاف الثاني فيتمثل في طبيعة الشخص القائم بارتكاب هذه الجريمة، فهو شخص صاحب ذكاء خاص ويجيد التعامل مع التكنولوجيا وبالتالي فهو ليس مجرما عاديا، وفي تجريم هذا النوع من الجرائم قد يتم اللجوء إلى النصوص القانونية التقليدية، ومثال ذلك جرائم السرقة والرشوة و التحرش، وهناك نوع آخر من الجرائم يصعب التعامل معه من الناحية القانونية مثل جرائم التزييف العميق أو الديب فيك، نتيجة عدم وجود التشريعات القادرة على التعامل مع هذا النوع من الجرائم، وبما أن القاعدة الشرعية تقول “لا تتم الجريمة والعقوبة إلا بالقانون” ومدلول ذلك أن القاضي لا يستطيع أن يتوسع في تفسير النصوص التقليدية لتطبيقها على الجرائم الإلكترونية، لذلك لازلنا في حاجة لإعادة النظر في بعض التشريعات لكي تتواكب مع طبيعة ومستجدات الجرائم الإلكترونية الجديدة، وعلى الجانب الآخر فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي سوف تساعد المحققين في الكشف عن الجرائم التقليدية والتنبؤ بها وتحليل سلوك المجرمين وإعادة بناء مسرح الجريمة.