بالإنفوجراف: الـ AI ينافس الأدباء.. 200 رواية بقلم الذكاء الاصطناعي على موقع أمازون

تحقيق: رنا أشرف

لم يعد من باب الخيال أن يصبح الذكاء الاصطناعي مبدعاً أدبياً ومؤلفاً للشعر والقصص والروايات، حيث يوجد الآن على موقع أمازون نحو 200 رواية من تأليف برامج الذكاء الاصطناعي، وبعض هذه الأعمال تتصدر قوائم المبيعات وهو ما يعني أن مجال الأدب لن يكون حكراً على البشر في السنوات المقبلة.. في السطور التالية قررنا أن نتواصل مع الكتاب والنقاد في الوسط الأدبي لنتعرف على آرائهم حول المنافسة القادمة بين الروبوت والأدباء، وهل يمكن أن يتفوق الذكاء الاصطناعي في مسابقات الإبداع والنشر الأدبي؟ أم سيحتفظ المبدعون بمواقعهم مهما حدث. 

في البداية يعود نشر أول رواية من تأليف الذكاء الاصطناعي لعام 2021، عندما كشفت شركة “بارامبوك” للنشر في كوريا الجنوبية عن  صدور أول رواية طويلة من تأليف الذكاء الاصطناعي تحت عنوان “العالم منذ الآن فصاعدا” باللغة الإنجليزية، حيث  قام المؤلف “كيم تيه- يون”، وهو خبير في علوم الكمبيوتر أيضًا، بتوجيه برنامج الذكاء الاصطناعي لتأليف الرواية من خلال عمليات التعلم العميق، بعد أن حدد موضوع الرواية وخلفيتها وشخصياتها. وتحكي الرواية قصة خمس شخصيات، وهم عالم رياضيات معاق، ورجل أعمال، وطبيب نفسي، وعالم فيزياء فلكية، وراهب بوذي، يحاولون اكتشاف أسرار الوجود البشري.

ثم توالى بعد ذلك صدور روايات وأعمال أدبية كاملة من إنتاج البرامج الذكية، حيث يرى النقاد أنه مهما حاول التكنولوجيا أن تغزو حياتنا، إلا أن الإبداع سيظل ملكا للبشر، في هذا الإطار، يقول الكاتب والناقد الدكتور يسري عبدالله، أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة حلوان، إن المقارنة هنا غير دقيقة، لأننا نقارن بين ما هو آلي، أو ميكانيكي، حتى لو اكتسى بطابع إبداعي، وبين ما هو خلق إبداعي خالص. فلاشك أن طفرة الذكاء الاصطناعي مذهلة، ولا يمكن توقع نتائجها المستقبلية، لأنها بطبيعتها مغامرة في فضاء مجهول، لكن الإبداع يظل له خاصية إنسانية فريدة، تميزه وتبقيه، وتجعله باختصار معنياً بذلك السؤال المركزي للأدب والمتمثل في البحث عما هو الإنسان. فإن إنسانية الإنسان وهي الهاجس الرئيسي للكتابة الإبداعية، ستظل هي جوهر الكتابة والفن عموما. أما الآلة فهي من اختراع الإنسان ذاته، وهو القادر على السيطرة عليها طيلة الوقت، ويجب ألا ينسى البشر ذلك، وأن يتعاملوا مع الآلة بشكل عام على أساس تطويعها لخدمة الإنسان، وربما منذ قرون عانت البشرية من إحلال الآلة محل الفرد، ثم أدركت إلا قليلا مخاطر ما حدث، وهذا ما يستدعي مسئولية حقيقية توازن بين المنجز العلمي والتكنولوجي الذي يجب أن يتنامى باستمرار، وبين المنحى الإنساني الذي يجب الحفاظ من خلاله دائما على كل ما هو حر، ونبيل.  ويمكن أن تؤثر أعمال الذكاء الاصطناعي في تشكيل ذائقة جديدة لدى الأطفال، وبما يوجب تقديم أعمال إبداعية مغايرة عن السائد، تصبح أكثر حداثة، وأكثر استيعابا لحاجات الطفل. فهذا الطفل الذي لم يعد خاملا أو تقليديا، لكنه صار يولد في قلب التقنية الحديثة، ويدرك كثيرا  من مظاهرها.

خليل الجيزاوي

الناقد يسري عبدالله

الناقد عمر شهريار

وحول مدى نجاح هذه الأعمال التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، ومدى تحقيقها لمبيعات كبيرة على موقع أمازون، يرى يسري أن تسويق الكتب يحتاج إلى إحصاءات دقيقة، تبرز هذا التأثير إذا كان قد حدث. وبشكل عام، يجب أن تحافظ الكتب في كافة صيغها الورقية والإلكترونية على مسارات متعددة للوصول إلى المتلقي، خاصة أن هناك وهما يدور حول غياب القارئ، وأنه لا أحد يقرأ. وليس هذا صحيحا. لكن الإحصاءات مسألة مهمة تجعلنا نتبين أين نقف تحديدا.

أما الناقد الأدبي عمر شهريار، فيقول: لا أظن أن الأعمال الخاصة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تقضي على الأعمال الإبداعية التي ينتجها الإنسان، لأن الإبداع الإنساني حالة فردية جدا والعقل الإنساني سيظل سيد العالم، صحيح يجب أن ينفتح على التقدم التكنولوجي والتعاطي بشكل جيد وإيجابي مع الذكاء الاصطناعي، ولكن في إطار توظيفه بصورة جيدة لخدمة البشرية، حيث سيظل الإنسان هو الأساس، والمسألة ليست فقط مجرد روايات أو شعر أو نقد ولكن الفكرة هي الإنسان نفسه، فالذكاء الاصطناعي ليس معناه موت الإنسان، وإنما سيظل الإنسان هو الاساس والمركز في العالم، ويمكن أن يستفيد من أشياء كثيرة من كل تقدم تكنولوجي  مثال (جوجل) الذي كان فتحا كبيرا جدا في عالم البحث والشبكة العنكبوتية، لكنه لن يغني أبدا عن دور الباحثين في علم الاجتماع وعلم النفس وفي أي مجال علمي، والمسألة هنا ليست بالكثرة أو الكم، فمن الممكن أن تؤثر وتملأ السوق لكن سيظل هذا الإنتاج مجرد محتوى عابر ليس به فكرة أو إبداع وعبقرية يمكن أن يضيفها الإنسان، ومهما قام الذكاء الاصطناعي بنشر كتب أو تأليف روايات فستظل هذه الأعمال فاقدة تماما للإحساس الإنساني، حتى أنه على مستوى الكتاب العاديين فهناك من أنتج 140 كتابا طيلة حياته ولكنها كتب بلا أهمية، وهناك من أصدر ٤ كتب فقط في تاريخه، لكنها أعمال مؤثرة وباقية وحصلت علي جوائز مهمة جدا في تاريخ الأدب، فهي ليست بالكم، والذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج ١٠ أو ٢٠ كتابا من خلال برامج كثيرة في وقت قصير جدا، لكنه في النهاية مجرد آلة، يمكن أن تقوم بعمل أشياء كثيرة مثل الآلة الحاسبة، فهي يمكن أن تفيدك في حسابات معقدة وتوفر في الوقت، لكنها لا تستطيع أن تقوم بإدارة الحسابات في شركة ما، هكذا لابد من وجود الإنسان في النهاية.

وتابع شهريار حديثه قائلا: أنا شخصيا متحيز للإنسان، حيث إنه سيظل مركز العالم، فالتكنولوجيا ليس هدفها أن تلغي دورنا، أو أن نعاني منها، لكنها تفيدنا في أمور حياتنا مثلم محرك البحث جوجل فهو يفيد الإنسان أو الصحفيين لذلك نستخدم جوجل لنأتي منه بموضوعات لكنه ليس الأساس في النهاية، إذن نحن المركز ونحن من يختار الخريطة الخاصة بنا. وفي مجال الإبداع الأدبي ستظل السيادة للإنسان، حتى وإن قامت الآلة بإنتاج عمل روائي مثلا فإن الإنسان هو الذي يوجهها ويغذيها بالأفكار فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعدنا فقط، لكن بلا شك هناك مخاوف مشروعة من التكنولوجيا فالجيل الجديد يعيش في بيئة افتراضية وربما يتخلى عن الكتب الورقية، لذلك أخشى أن نصل لدرجة الحيرة بين أن نرفض الجديد تماما أو ننسحق أمامه، ولذلك نحن في أشد الحاجة لأن نتعامل مع هذا الواقع الجديد بهدود شديد.

وفيما يتعلق بالملكية الفكرية، فإن الكتاب سيكون من حقهم حماية ملكيتهم من الذكاء الاصطناعي من خلال القوانين، لكن أي أوضاع جديدة تحتاج لبعض الوقت لتنظيمها، وبالتأكيد ستخرج قوانين لحماية الإبداع الإنساني من الذكاء الاصطناعي.

ويرى الناقد الأدبي خليل الجيزاوي أنه من المتوقع جدا أن ينافس الذكاء الاصطناعي الإنسان في الأعمال الأدبية، وهذا شيء طبيعي جدا، كما أنه وارد جدا أن الكتب والروايات الخاصة بالذكاء الأصطناعي لو نزلت السوق ممكن تتفوق على أعمال كتاب كثيرين، لكن في النهاية  موهبة الكاتب هي المعيار في أن يثبت وجوده، كما أن طفرة الذكاء الاصطناعي من الممكن أن تكون مؤقتة، وطوال الوقت هناك روايات متفردة قادرة على المنافسة، فالمنافسة ستظل قائمة بين الكتاب أنفسهم حتى في وجود الذكاء الاصطناعي، كما أن المعلومات التي يتم نقلها للآلة لكتابة رواية أو قصيدة مثلا ما هي إلا معلومات إنسانية أي أنها من صنع الإنسان نفسه، وحتى لو أبدع الذكاء الاصطناعي فإن هناك كتاب قادرون على الإبداع بصورة أفضل، وأذكر أن اتحاد الكتاب يضم 4 آلاف كاتب، وأنا شخصيا أعتبر الذكاء الاصطناعي بمثابة كاتب جديد ينضم لقائمة هؤلاء الكتاب، ويخضع لكل المعايير والظروف التي تخضع لها الأعمال الإبداعية التي ينتجها البشر، بمعنى أن الروبوت قد يقوم بإنتاج رواية تكسر الدنيا، لكن روايته الثانية لن تكون بنفس القوة وربما لن تحقق أي مبيعات، وبشكل عام أرى أن الذكاء الاصطناعي سينافس الإبداع الإنساني من ناحية الكم ولكن ليس من ناحية الجودة أو التأثير، وأعتقد أنه سيؤثر بشكل كبير على سوق النشر والمبيعات لأنه سيكون أشبع بكاتب جديد ومختلفة.     

ويقول الدكتور خالد يسري، خبير إدارة صفحات السوشيال ميديا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الشركات، إن الذكاء الاصطناعي يتداخل مع مجالات كثيرة من بينها الفن والأدب، وبالتالي من الممكن أن يهدد الإبداع البشري، خاصة وإن الروبوت أنتج بالفعل كتبا وقصصا وروايات، وبالتالي سيهدد الأدباء والكتاب، لكن حتى الآن لاتزال الكتب التي أنتجها الذكاء الاصطناعي خالية من الإبداع ولم تصل لمرحلة الإبداع الإنساني، لكن الموضوع لايزال في بدايته، وأعتقد أنه خلال سنتين سيتفوق الذكاء الاصطناعي على الإنسان في الإتقان والكتابة الإبداعية، خاصة وإن الجانب الإبداعي للذكاء الاصطناعي لايزال حتى الآن في مرحلة التعلم، وهذا أمر طبيعي جدا، لكن مع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي قادر على إنتاج 1000 رواية خلال مدة معينة يمكن أن ينتج فيها الإنسان العادي رواية واحدة. وأعتقد أننا مع الوقت سنعتاد على هذا الأمر، فعندما دخلت الآلات المصانع قديما تظاهر العمال ضدها، حتى أصبحت أمرا واقعا الآن لكن شيء مخيف جدا أن يتفوق الروبوت على الإنسان في هذا المجال.