بعد ابتكار أول طبيب نفسي آلي.. أطباء يؤكدون: المريض يحتاج للفضفضة

تحقيق: سلمى ممدوح

تقارير عديدة تحدثت عن اتجاه الكثير من المرضى النفسيين للفضفضة مع “شات جي بي تي”، بحجة أنه يقدم بديلا آمنا للبشر، حيث يأخذ بعض الأشخاص راحتهم الكاملة أثناء الحديث، ويفصحون عن متاعبهم وأسرارهم دون خوف من إشاعة هذه الأسرار.. يتزامن ذلك مع تطوير أول روبوت طبيب نفسي في بريطانيا، حيث يقوم بمهام التشخيص وكتابة الروشتة! وهو ما أثار حفيظة الأطباء النفسيين حول مستقبل المهنة.. فإلى أي مدى يمكن أن يحل الروبوت محل الطبيب النفسي؟

نسبة الخطأ

يقول الأستاذ الدكتور علي النبوي، أستاذ الطب النفسي والأعصاب، بكلية الطب جامعة الأزهر، إن الذكاء الاصطناعي يفرض نفسه في واقعنا تدريجيا، وعلينا قبوله وعدم رفضه، وألا نعمل بمبدأ (الإنسان عدو ما يجهل) لذلك علينا أن نتفهم ما هو الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في شتى المجالات، ومن بينها المجال النفسي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشخص الأمراض النفسية، ولكن الدقة في التشخيص متغيرة. لأن تشخيص الأمراض النفسية ليس له مقاييس محددة، لكنه بالطبع سيكون له الأثر الظاهر عند الأجيال المقبلة. لأن الأجيال الحالية تعتمد على معظم الأشياء في الذكاء الاصطناعي لأنها مريحة في التعامل ولكن دقة التشخيص تختلف من مريض إلى آخر فهو يعمل بناء على المعلومات التي تُعطى له، فإذا كانت المعلومات غير دقيقة، سيكون التشخيص غير دقيق ونسبه الخطأ واردة لأي شيء من العنصر البشري أو حتى العنصر الإلكتروني. وقد سبق قبل ذلك عمل استبيانات تستند على التعامل مع الذكاء الاصطناعي مثل اختبارات الذكاء والاختبارات النفسية، ومع ذلك تبدو بعض برامج الذكاء الاصطناعي دقيقة جدا في تشخيص الأمراض الواضحة مثل الاكتئاب لأن البيانات المعطاة لهذه البرمجيات ستكون سهلة وبسيطة ويمكن لبرامج الذكاء الاصطناعي أن تتنبأ بسلوك الشخص وميوله في المستقبل لأنه سبق وأن صممت استبيانات لتحديد نمط شخصية الفرد ونمط الأعراض النفسية التي يعاني منها، وبالتالي إدخالها على برامج الذكاء الاصطناعي والبرامج الإلكترونية يجعلها تكون أكثر دقة وأكثر قدرة على التشخيص.

تجربة محفوفة بالمخاطر

 ويرى النبوي أنه من الصعب في الوقت الحالي أن يحل الطبيب النفسي الآلي مكان الطبيب البشري، حتى في العمليات الجراحية الكاملة، فإن استخدام الروبوت لايزال محفوفا بالمخاطر، وحتى الآن لم تنجح تجربة الروبوت الجراح بالكامل، وإنما تساعد بعض البرمجيات في نجاح الجراحات، ويرجع ذلك لنقص المرونة، فالروبوت صعب أن يخرج خارج البرنامج المعد له والواقع يتميز بالمرونة وبتغير المواقف وتغير التفاصيل وتغير الشكوى وتغير ردود فعل المريض وتغيرات كثيرة غير ذلك.  

دقة التشخيص

 وحول دقة التشخيص، يؤكد النبوي أن أي مشروع في أوله يكون له قصور وتكون له مضاعفات ويكون له أخطاء كثيرة لكن يتم تداركها بعد فترة، ويتم تطوير البرنامج وبالتالي فإن نسبة الخطأ ستقل بدليل أنني أكتب هذا الكلام حاليا عن طريق تسجيل الصوت من على كيبورد الموبايل.. وبه نسبة أخطاء في الهمزات وفي التاء المربوطة ثم أقوم أنا بإصلاحها يدويا وأتوقع أن يتطور برنامج الكيبورد الصوتي والكتابة بالصوت وإخراج جودة أحسن تغنيك عن الإصلاحات فيما بعد وأتوقع أن يكون الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض مثل الزهايمر أو فصام أو أنواع الشخصية له باع كبير في المستقبل، فالأجيال الحالية لا تجيد التعامل مع الحياة إلا من خلال الموبايل والأدوات الإلكترونية، لدرجة أننا أصبحنا نرى ظاهرة غريبة، فالطفل المصاب بفرط الحركة أو بمرض التوحد أو مصاب بنقص الذكاء نراه يجيد بكفاءة عالية التعامل مع الإنترنت والتعامل مع الأبلكيشن والتطبيقات والتعامل مع الموبايل أو التابلت أو الآيفون وهي ظاهره تستدعي أن نؤمن جميعا بأن الإنسان ابن بيئته وابن زمنه وفطرته تتوافق مع الزمن الذي يعيش فيه، وبالتالي ستجد كبار السن غير متكيفين وغير متأقلمين إطلاقا مع التكنولوجيا الحديثة، بل أنهم يرفضون الأغاني الحديثة ويرفضون المسلسلات ويرفضون الشباب وينتقدونهم في كل شيء، وقد كان الأطباء النفسيون قديما يقولون إنه لابد من أن يكون الطبيب والمريض جالسان في حجرة واحدة لكي يتم العلاج النفسي إلى أن طرأت علينا برامج وتطبيقات تعالج المريض عن بُعد عن طريق السوشيال ميديا ورفضها الأطباء النفسيون القدامى، لكن كل الأطباء النفسيين الجدد يعملون بهذه الطريقة والمريض مستمتع جدا لأنه لا يذهب ولا يعاني في المواصلات وتتم الجلسة عن طريق مكالمة فيديو أو عن طريق أبلكيشن يرى كل منهما الآخر، وقد يُكتفي بالصوت فقط، ونجحت هذه الطريقة رغم رفضها في البداية، فهذا مثال على أن الذكاء الاصطناعي الطب النفسي.

ويرى الخبراء أن إيلون ماسك الذي يملك شركة تصنيع السيارات الكهربائية Tesla، وشركة إنتاج الصواريخ SpaceX، ومنصة التواصل الاجتماعي Twitter، يزعم دائما أنه صاحب أهداف نبيلة حيث يسعى  لاستعمار المريخ وإنقاذ البشرية من المخاطر المحتملة التي يعاني منها كوكب الأرض، لهذا يصفه الخبراء بأنه صاحب خيال واسع وجامح، ورغم ذلك فإن أغلب المشروعات الطموحة التي أعلن عنها لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع رغم مرور سنوات، وخاصة   طموحات شركة Neuralink، التي أطلقها في عام 2016، والتي تهدف للقضاء على مرض باركنسون والخرف والزهايمر. كما تحدث عن دمج الدماغ بالذكاء الاصطناعي.

العنصر البشري

أما الدكتور إبراهيم مجدي، أخصائي الطب النفسي، فيؤكد أن الذكاء الاصطناعي أصبح شريكا في كل تخصصات الطب ومنها الطب النفسي، فقد طورت بعض الدول أنواعا من الروبوت  الذي يقوم بدور الطبيب النفسي، حيث  يستمع للأعراض ويحدد نوع المرض النفسي الذي يعاني من الشخص، لكن من أجل ضمان دقة التشخيص، يستلزم الأمر تدخل العنصر البشري، أي أن أنه لا غنى  عن الطبيب البشري على الإطلاق،

فهو الذي يقوم بإدخال المعطيات والمعلومات لهذه الآلة، بينما تقوم هذه الآلة بمساعدة الطبيب في عمليات التشخيص وإعطاء بيانات وحسابات معينة حول الأعراض، وبالتالي فكلما كانت المعطيات دقيقة كان التشخيص الذي يعطيه الروبوت دقيقا أيضا، ومع ذلك هناك حالة من الجدل حول استخدام الروبوت في الطب النفسي، حيث يفضل مرضى التوتر أو الانفصام أو الاكتئاب أن يتحدثوا عن معاناتهم مع إنسان من لحم ودم مثلهم وليس مجرد آلة، ومع ذلك هناك من يرون أن الروبوت أكثر أمانا من الإنسان لأن الروبوت سيسمع من المريض وينسى ما سمعه وبالتالي لن يفصح عن أسرار المرضى لأي أحد، وبالتالي ستكون هناك أريحية في التعامل مع الروبوت أكثر من الطبيب البشري.  

الحالات الخطرة

ويشير مجدي إلى أن أكثر الأمراض النفسية التي من الممكن أن تحتاج لهذه النوعية من التطبيقات هي الاكتئاب لأن أعراضه معروفة ومحددة مثل النوم والقلق والتوتر، لكن هناك حالات لا يمكن أن يصلح معها الروبوت، فمثلا الشخص الذي يعاني من الهلاوس والضلالات والذهان، ففي هذه الحالة يجب أن يكون الطبيب إنسانا حتى يستطيع أن يتعامل مع هذه الحالة المعقدة لأن المريض في هذه الحالة قد لا يستطيع أن يعبر عن آلامه باختصار مش قادر يشتكي، وهذا يتطلب أن يكون الطبيب واعيا جدا لخطورة هذه الحالة، وفي هذ الموقف لن يستطيع الروبوت أن يفعل شيئا! ولذلك أرى أن الروبوت لن يحل محل الطبيب النفسي بشكل كامل، وقد يحدث ذلك في بعض التخصصات الطبية الأخرى، ففي الأمراض الجلدية مثلا ممكن أن يأخذ الروبوت صورة المنطقة المصابة ويقارنها بصور الأعراض التي يحتفظ بها ويعرف مثلا أن هذه صدفية، لكن بالنسبة لتخصص الطبيب النفسي فإن الموضوع صعب لأن الأعراض  النفسية باطنية أكثر وليست ظاهرة. كما أن الطبيب النفسي يحتاج دائماً أن يخوض في تفاصيل معينة تخص ظروف حياة المريض، فالمسألة ليست مجرد أعراض، وفي بعض الأحيان يحتاج المرضى النفسيون للتفاعل الإنساني وهذا لا يمكن أن يقدمه الروبوت.

استشارات سريعة

ويضيف مجدي أن الذكاء الاصطناعي قد يفيد في تقديم الاستشارات السريعة والأمراض الواضحة، لكن اضطرابات الشخصية والإدمان مثلا لن يكون مفيدا فيه، وفي مسألة التشخيص سنجد أنه لو الأعراض واضحة سيكون التشخيص دقيقا، وبالمناسبة التشخيص في الطب النفسي شديد التعقيد، وهناك تشخيص أولي وثانوي فمثلا من الممكن أن يشخص طبيب حالة مريض نفسي على أنه يعاني من اكتئاب، بينما يرى طبيب آخر أنه يعاني من القلق، وقد يرى طبيب ثالث أنه مجرد وسواس قهري، وهكذا فإن دقة التشخيص متفاوتة ولا تتعدى 50%.